محمد الكعبي .أول رسالة ماجستير في العراق حول (النظام القانوني لعقد التطوع وتطبيقاته في جمعية الهلال الأحمر العراقي)
حوار / غسان ثويني
شهدت كلية القانون في جامعة كربلاء مناقشة اول رسالة ماجستير في العراق حول تنظيم العمل التطوعي على اساس الصيغة التعاقدية، وحملت عنوان (النظام القانوني لعقد التطوع وتطبيقاته في جمعية الهلال الأحمر العراقي – دراسة مقارنة) للطالب محمد عبد الصاحب الكعبي عضو الهيئة الإدارية في جمعية الهلال الأحمر العراقي. وللاطلاع عن كثب حول مضامين رسالة الماجستير حاورنا الاستاذ محمد صاحب الكعبي .
* بداية ماذا تمثل فكرة التطوع عند محمد الكعبي؟
التطوع عمل نبيل وظاهرة عالمية قديمة تمثل سلوكا انسانيا تلقائيا نحو فعل الخير وتقديم يد العون للآخرين ، ليجسد بذلك القيم الاخلاقية والدينية المعبرة عن الدوافع الإنسانية والمشاعر العاطفية المتأصلة في النفس البشرية . وقد اتخذ العمل التطوعي عبر التاريخ الانساني أشكالا متعددة ، ابتداء من الأعراف والتقاليد القائمة على أساس المساعدة الذاتية ، ومرورا بالتجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة ومجهودات الإغاثة ، وبلوغا لما وصل اليه اليوم من صيغ العمل المؤسساتي المنظم .
*هل التطوع عمل فردي ام هو ظاهرة اجتماعية ؟
لم يعد العمل التطوعي في مجتمعاتنا المعاصرة محصورا في دائرة الاهتمامات الفردية والمبادرات الشخصية المتمثلة بالاستجابة لظروف ومواقف تستدعي برزوه ، وانما بات وسيلة من وسائل المشاركة في النهوض الاجتماعي وسبيلا من سبل تحقيق التنمية المجتمعية ، معززا بذلك مبدأ التكافل الاجتماعي ومكرسا القيم الانسانية العليا بما يقدمه من خدمة مجانية للغير ويحقق مصلحة عامة .
*ما هو الهدف من تشكيل المنظمات الانسانية وهل الحكومة فعلا تحتاج الى منظمات اهلية ؟
هنالك مقررات تكاد تجمع عليها كل الشعوب والامم مفادها ان الحكومات سواء في البلدان المتقدمة أم النامية لم تعد قادرة على سد احتياجات مواطنيها ومجتمعاتها نظرالتعقد الظروف الحياتية وما تسبب به هذا التعقيد من ازدياد في هذه الاحتياجات وتغير مستمر لها ،فاستلزم ظهور جهات اخرى تكون رديفة للجهات الحكومية في عملها تتولى تقديم الخدمات العامة لتملأ المجال وتكمل الدور الحكومي وتلبي حاجات المجتمع وتوفر متطلباته . وقد تشكلت لهذا الغرض منظمات أهلية اخذت على عاتقها الرقي بالعمل التطوعي واستقطاب المتطوعين وتنظيم مشاركاتهم التطوعية في اطار مؤسسي منظم وفق برامج ترصد من خلالها هذه المنظمات حاجات المجتمع ومن ثم ترسم ادوار المتطوعين وتحدد لهم مهامهم وفقا لتلك الحاجات وتنيط بكل متطوع وما ينسجم ومؤهلاته من تلك الادوار والمهام وفق اتفاق يعقد بينها وبين ذلك المتطوع .
* ماهو سبب اختيارك لموضوع البحث (عقد التطوع )؟
البحث في النظام القانوني لعقد التطوع تجلت له أهمية كبيرة بالنسبة الينا من خلال ما لمسناه في ممارسة تطوعية متواضعة لنا ، كما برزت اثناء عملنا الوظيفي الذي تطلّب منا ان نكون على تماس وبالقرب من العديد من الجهات المنظمة للعمل التطوعي ، إذ عندها لاحظنا ان عقد التطوع كثيرا ما يفرز مشاكل عملية لا تجد لها حلولا ضمن أحكام القواعد العامة في قانوننا المدني ، خاصة وان مشرعنا شأنه في ذلك شأن المشرعين الاخرين لم يتطرق ضمن تنظيمه للعقود المسماة الى عقد التطوع ، وهو في الوقت نفسه لم ينظم العمل التطوعي بقانون خاص لغاية الان ، كما فعل عدد من المشرعين غيره سدا للنقص والفراغ الذي يعاني منه القانون المدني في هذا الصدد . فكان ذلك هاجسا لدينا نتحسس من خلاله القصور القانوني في منظومتنا القانونية العراقية و كنا نستشعر أحيانا ان هذه المنظومة لربما تعدمن الأسباب التي تحول دون تقدم العمل التطوعي ورقيه في بلدنا لما تساهم فيه من تحجيم لدور هذا العمل ولا تشجع على استقطاب المتطوعين بل قد تتسبب في العزوف عن التطوع لشعور الأفراد ان القانون بواقعه الحالي لا يوفر لهم الحماية الكافية ولا يهيئ لهم الغطاء القانوني الذي يحتمون به . ويستمد البحث في النظام القانوني لعقد التطوع أهميته من أهمية العمل التطوعي نفسه فهذا الأخير بات اليوم سمة من سمات العصر ونشاطا إنسانيا يمثل ظاهرة اجتماعية لا بد لها من تأطير قانوني وتنظيم ما ينشأ عنها من علاقات ويترتب عليها من حقوق والتزامات ، وهنا تبرز إشكالية التباين بين ما ينطوي عليه العمل التطوعي من قيم فعل الخير المرتبطة بحرية الفرد من حيث المبادرة اليه من عدمه وبين ما يختص به القانون من تنظيم للعلاقات الانسانية على اساس من قوة الالزام في قواعده وأحكامه .
*هل واجهتك صعوبات في البحث بعتباره مغامرة جريئة؟
فكرة البحث في النظام القانوني لعقد التطوع وتطبيقاته في جمعية الهلال الأحمر العراقي تهيبنا منها في بادئ الأمر كثيرا وترددنا ان نخوض غمارها ، فهي جديدة في مفهومها إذ لم يسبقنا اليها باحث ولم يتناولها كاتب ، ولكننا انطلقنا فيها وولجنا اغوارها بتأن وجد وثبات مؤمنين بأهمية الموضوع ، ومستمدين عزمنا منه سبحانه ومتوكلين عليه ومستفيدين من كل ما جادت به ايدي الخيرين من مساعدة ومساندة خففت عنا عناء البحث ، ولكن مسيرته ظلت حافلة بالصعوبات والمعوقات وكان اشدها علينا هو انعدام المراجع الفقهية والمصادر القانونية والأبحاث المتخصصة بالموضوع. فعندها لم يبق لنا خيار سوى الاستعانة بما متوفر من بحوث تطرقت للعمل التطوعي ولو من جوانب غير قانونية لنجعل منها اساسا ننطلق منه في البحث والتنقيب بين طيات الكتب الفقهية والقانونية المتعلقة بالقواعد العامة محاولين تطويع ما بها من افكار ومبادئ على ما تشكل لدينا من قناعات بحاجات عقد التطوع التنظيمية القانونية . ولا نعدّها اقل وطأة من الصعوبة السالفة الذكر تلك التي عانيناها من افتقار لموقف قضائي تجاه العقد محل البحث وما يتعلق به من أحكام ويثيره من مشاكل . وافتقار الموقف القضائي هذا لا نراه يرجع لانعدام المشاكل التي قد يثيرها هذا العقد وندرتها ، وانما مرده ضعف الثقافة القانونية لدى أطرافه والغير فيما يتعلق بفهم ماهيته وما تحكمه من قواعد وتضبطه من أحكام . وازاء هذا الموقف القضائي كان لزاما علينا ان نسلك المسلك ذاته الذي سلكناه فيما يتعلق بمراجع الفقه والقانون فتناولنا على مدار الرسالة العديد من الأحكام ، ولكن جلها كان يدور مدار القواعد العامة وبعض القواعد الخاصة بعقود معينة حاولنا الاستفادة من مبادئها لدعم ما نراه من ضرورات ومتطلبات عقد التطوع .
*ما هو دور الهلال الاحمر العراقي في بحثك ؟
يجب الاشارة بان حرصي ان تكون جمعية الهلال الأحمر العراقي حاضرة معي في تطبيقات العملية على طول الرسالة وفي كل فقرة من فقراتها ، من خلال أحكام قانون الاعتراف بالجمعية ونظامها الأساسي وحتى القرارات والتعليمات والأوامر الصادرة من الجمعية المذكورة والمتعلقة بالموضوع محل البحث ، اضافة لاستشهادنا في مواضع عدة بأنشطتها وفعالياتها التطوعية ، وكثيرا ما استرشدنا بالنظام الاساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر وسياسة التطوع الصادرة عن الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر اضافة الى مدونة سلوك ومبادئ الخدمة التطوعية الصادرة من الاتحاد ذاته . وكل ما اتاحت لنا الفرصة من الحصول عليه من وثائق تتعلق بتنظيم الانشطة التطوعية لمكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر باعتبار ان جمعية الهلال الأحمر العراقي تعد واحدة من هذه المكونات .